الحمد لله، الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى أله وأتباعه وإخوانه. ثم أما بعد، أيها المسلمون: إن الإسلام يعترف بالأسباب المادية المعتادة للأمراض، وفقا لسنن الله الجارية في الخلق، فهو يقر العدوى بوصفها سببا من أسباب نقل المرض، قال r قيما رواه البخاري عن أبي هريرة t:" فرّ من المجذوم فرارك من الأسد"، بل إن من روائع ماجاء به الإسلام وسبق به، فكرة العزل والحجر الصحي في حالة انتشار الأمراض المعدية، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف t عن النبي r أنه قال: " إذا كان الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه". بهذا يحاصر الإسلام الوباء والمرض في أضيق نطاق، ويحال بينه وبين الانتشار، فحتى السليم – بمقتضى هذا الحديث- لا يجوز له الخروج من البلد الموبوء خشية أن يكون حاملا لمكروب المرض وهو لا يدري. فالواجب على الجميع محاربة هذه الأمراض والأوبئة المهلكة بكل الوسائل التي يرشدهم إليها الموثوق بهم من إجراءات الوقاية من هذا المرض، ومن تعاطي المصل واللقاح وأنواع التطعيم للصغار والكبار. فإنه قد جاء في الإسلام تحذير عام من التورط فيما يعود على الإنسان بالضرر، سواء أكان هذا الضرر خاصا به، أو متعديا إلى غيره. قـال تعـالى : ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( (البقرة 195) وقـال أيضـا : ) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم...( (النساء71) وجـاء في الحديث :" لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجة. فالله الله – أيها المسلمون – في صحتكم فلا تهملوها، وفي صحة الناس فا حفظوها، وفي نصائح أهل الذكر والمتخصصين فنفذوها. فقد جعل الله لكل شيء سببا، ولكل داء دواء، والله على كل شيء قدير. جاء في الحديث:" ما أنزل الله داء إلا أنزل شفاء" رواه البخاري ومسلم وروى الترمذي:" يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء". واسمعوا إلى هذه المحاورة الممتعة بن رسول الله r وبين الصحابي الجليل أبي خزامة، قال :" قلت يا رسول الله، أرأيت رقي تسترقي بها، ودواء تتداوى به، وثقاة – وقاية- نتقيهـا، هل ترذ من قـدر الله شيئا؟. قال r:" هي من قدر الله". رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم. نعم – أيها المسلمون- إذا كان المرض قدرا من الله للمعرضين للإصابة والعدوى من جراء المحيط أو طبيعة العمل أو إهمال شروط الوقاية، فالتداوي قدرّ مثله. فتداووا – يا عباد الله- واستعينوا بالله ولا تعجزوا. قال رسول الله r:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ". رواه مسلم عن أبي هريرة. هذا ما قلت وسمعتم، فصلوا – رحمكم الله – على خير البرية – وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمرّ أعداء الدين، اللهم أجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أرفع عنا الوباء والبلاء، وقنا الزلازل والمحن، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا سميع الدعاء، اللهم فرج همّ المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، ربنا أغفر لنا ولآبائنا ولمشايخنا ولولي أمرنا ولسائر المسلمين، ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخيرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. بقلم الإمام: خليفة مسلم
الصنف