الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر ما حجَّ حاجّ واعتمر،وحلّق محرم وقصّر، وقصد البيت الحرام من كل فجّ عميق، وأقيمت لله في هذه الأيام المناسك، الله أكبر، ما نُحرت بمنىً النحائر، وعظّمت لله الشعائر، وسار إلى رمي الجمار سائر، وطاف بالبيت العتيق زائر، الله أكبر، إذا أفاضوا إلى الطواف مكبرين، والسعي بين الصفا والمروة مهرولين، وللحجر الأسعد مستلمين ومقبلين، ومن ملء زمزم شاربين ومتطهرين... سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزّة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنزّه عن كل عيب ونقص وشَبَه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلق، وحبيب الحق، أرسله الله رحمة للعالمين، فدعا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، اللهمّ صلّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه الطيبين الطاهرين الأكرمين، وسلّم تسليما كثيراإلى يوم الدين...أما بعد:
معاشر المسلمين والمسلمات: نعيش اليوم من أيام الله بين عبادهيوم النحر، ويوم الحجّ الأكبر، ويوم عيد الأضحى والأضحية، وإنّ هذا اليوم ليذكرنا بموقف إبراهيم الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل الذبيح، فقدروى ابن ماجهفي سننه عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه أن الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي فقال: "سنة أبيكم إبراهيم، وقد امتحنهما الله امتحانا لا نظير له فقال: ((فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء العظيم وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الأخرين، سلام على إبراهيم... ))" .
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. وعندما رأى إبراهيم هذه الرؤيا تعرّض له الشيطان لعنه الله وقال: "يا خليل الرحمن من أجل أضغاث أحلام تذبح ثمرة الفؤاد؟" فقال له الخليل: "ابتعد عني يا عدو الإنسان، أتريد مني مخالفة الرحمان" فرجمه إبراهيم رجما. فلما يئس منه أتى هاجر فقال: "يا أم إسماعيل إن إبراهيم يريد أن يذح ولدك من أجل ما يراه في المنام". فقالت: "إن كان الله قد أمر بذلك فعليه أن يطيع مولاه، انصرف عني يا وسواس "، فرجمته هاجر رجما. وعند ذلك توجه إلى إسماعيل فخاطبه قائلا: "إن أباك يريد ذبحك، وأنا أريد نصحك". فقال إسماعيل : " إن كان الله بذلك قد أمر، فهل لي قدرة على منع القدر"، فرجمه إسماعيل رجما، فصار هذا الرجم أصلا لرمي الجمار حتما.
وانطلق الخليل إلى منىً وعلى جبل المنحى شمّر على ساعديه وأحضر السكّين، وسنّه سنّا.. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، عندها قال الغلام: "ما الأمر يا أبتاه؟" فقال الشيخ المبتلى: " إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى"، فقال الغلام في صبر وثبات: "يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، يا أبتي حوّل وجهك عن مضجعي واغضض طرفك عن مصرعي، واصبر على البلاء المبين، فإذا رجعت إلى أمي فاقرأها السلام وأمرها بالصبر وحسن الاستسلام"، فأوثقه الخليل وتلّه للجبين، وهمّ بذبحه امتثالا لرب العالمين، حينئذ ضجّت الملائكة بالدعاء وقالت: "يا ألله يا أرحم الراحمين، ارحم هذا الشيخ الكبير، وافد هذا الطفل الصغير . فجاء الفرج القريب من القريب و جاء جبريل بالفداء العظيم وناداه الجليل في علاه "أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين" ، فهنأهما جبريل ، وأفرغ على إسماعيل حلة النبوة و على إبراهيم حلة الخلة .
فذبح إبراهيم كبش الجنّة و الفداء ، وبقي هذا العمل سنة مؤكدة لمن سماهم المسلمين من قبل، و يخرج من نسل إسماعيل أكرم الأولين و الأخريين محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبعوث رحمة للعالمين، الذي جاء يؤكد هذه السنة الحميدة ويحث عليها لما فيها من معاني عظيمة ومواعظ مفيدة .
معاشر المؤمنين ما أجدرنا في اليوم المبارك أن ندعو جميعا أنفسنا إلى طاعة الله ، وأن ندعو من لا يصلي إلى الصلاة، وندعو أنفسنا إلى المصالحة والتجاوز عن بعضنا، وندعو من سعى في الأرض فسادا وروّع الناس بترك ذلك لأنه فساد والله لا يحب المفسدين وندعو من يتعاطى المخدرات والمسكرات إلى الرّجوع إلى عقله ووعيه فإنها من المحرمات .
وما أجدرنا في هذا اليوم المبارك أن ندعو الأبناء لبر الآباء، وأن ندعو الآباء للعطف على الأبناء، وأن ندعو الزوجات لطاعة أزواجهن، وأن ندعو الأزواج لمعاشرة زوجاتهم بالمعروف والرفق بهن.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، عباد الله: تقربوا إلى الله تعالى بالأضاحي فإنها مراكب لكم إلى الجنة ومطايا، وهي سنّة لكل مسلم قادر عليها، و الله تعالى يقول في شأنها: "فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشّر المحسنين " الآية 36- 37 الحج . وورد في فضلها وثوابها أحاديث كثيرة منها الذي رواه الترميذي و ابن ماجة و الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر ، أحب إلى الله من إهراق الدم ، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها و أشعارها و أظلافها ، وإن الدم ليقع إلى الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفسا)) ، و روى الطبراني و البيهقي عن الحسن ابن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من ضحى طيبة بها نفسه محتبسا لأضحيته ، كانت له حجابا من النار)).
اللهم اجعل ضحايانا حجابا بيننا و بين النار ، أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما.
الخطبة الثانية :
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الحمد لله وكفى و الصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، ومن بآثاره اقتدى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد:
الله أكبر ، الله أكبر ... تسبيحة العابد المطهر
أنشودة العابد المظفر ... بها دككنا حصون خيبر
بها ورثنا كسرى وقيصر...وما سوى الله فهو أصغر
الله أكبر ، الله أكبر
عند التنادي إلى الجهاد ... يوم التلاقي مع الأعادي
فوق الروابي وفي الوهاد... نزلزل الأرض إذا ننادي
الله أكبر ، الله أكبر
أحلى نشيد في يوم عيد ... أول صوت لدى الوليد
بدء الصلاة نور الوجود ... عند الركوع وعند السجود
الله أكبر ، الله أكبر
أيها المسلمون، لا يفوتنا في هذا المقام أن ننبه بعضنا إلى تكبيرا ت أيام التشريق عقد الصلوات المكتوبات وتبدئ من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرّابع منها. فقد ورد أن عبد الله ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه كان يكبر في قبته بمنىً ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منىً تكبيرا، وكان ابن عمر يكبر بمنىً تلك الأيام، و خلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي ممشاه ومجلسه تلك الأيام جميعا قال الحافظ في الفتح: وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقد الصلوات وغير ذلك من الأحوال.
عباد الله: إن عيد الإسلام هو اليوم الذي تعلو فيه كلمة الإسلام وتتحد فيه كلمة المسلمين، فينسلخوا من هذه الخلافات التي دبَّت بين صفوفهم لكي تزرع في أوساطهم البلبلة و الفتن .
فالإسلام ديننا، والقرآن إمامنا، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبينا، والجزائر وطننا المفدى، وكما قال سيدنا علي كرم الله وجهه: "عمرت الدنيا بحب الأوطان" ونعيب الوطن والعيب فينا، وما لوطننا عيب سوانا فكاد نهج الوطن بغير ذنب، لو نطق الوطن لنا لهجانا.
الدعاء ....
الأستاذ عنتر بن سلم-
إمام بمسجد مالك بن أنس-دائرة برج زمورة – ب.بوعريريج